يبدو أن تنظيم "ولاية خراسان"، الذي يوصف بأنه ذراع تنظيم "داعش" في أفغانستان، يحاول تجاوز الأزمات العديدة التي تعرض لها في الفترة الماضية، عقب الهجمات التي شنتها ضده حركة "طالبان" والحكومة الأفغانية، من خلال القيام بعمليات مضادة يثبت بها وجوده على الساحة، وهو ما انعكس في إعلانه المسئولية عن الهجوم الذي استهدف مجمعاً للسجون بمدينة جلال آباد بولاية ننجارهار الأفغانية، التي يوجد بها عدد من عناصره وقادته الميدانيين، وذلك في مطلع أغسطس الجاري، مما أسفر عن هروب أكثر من 300 سجين، إلى جانب سقوط 24 قتيلاً وأكثر من 68 مصاباً.
عملية نوعية:
يمكن القول إن الهجوم على السجون المركزية يعد من العمليات الصعبة، حيث يحتاج إلى تخطيط دقيق وعناصر مدربة، فضلاً عن عمليات مراقبة طويلة ورصد للأوضاع خارج السجن وداخله، خاصة وأنه يقع في منطقة شبه عسكرية، وذلك حتى يمكن تحديد نوعية الحراسة ونوباتها المختلفة والأسلحة المتوافرة، والأهم من ذلك تحديد مكان إقامة العناصر والقيادات البارزة داخل السجن، وهو ما يتطلب معلومات تأتي من داخله.
ويشير ذلك إلى وجود عناصر موالية للتنظيم في الداخل تمده بالمعلومات المطلوبة، ليس من المستبعد أن يكونوا من الحراسة المكلفة بتأمين السجن، مقابل حصولهم على أموال منه، خاصة وأنه من المعروف أن "داعش" ينفق على الموالين له والمتعاونين معه، وهو ما يضفي شكوكاً على الآراء التي ترجح اتجاه تنظيم "ولاية خراسان" إلى الانحسار.
ومن جهة أخرى، يكشف الهجوم عن مدى هشاشة الوضع الأمني في البلاد، حيث أن التحضير لمثل هذه النوعية من الهجمات يحتاج إلى فترة طويلة من الإعداد، وهو ما يمكن أن يُعرِّض القائمين عليها للرصد من جانب أجهزة الأمن. لكن ذلك لم يحدث، حيث لم تنجح الأخيرة في التقاط أية إشارات تدل على قرب وقوع مثل هذا الهجوم.
فضلاً عن ذلك، بدا واضحاً بعد الهجوم ضعف الحراسة في السجن وعدم كفاءتها على الرغم من كونه يضم العديد من عناصر وقيادات تنظيم "ولاية خراسان"، وهو ما جعل الهجوم يمثل نقلة نوعية في هجمات التنظيم، على نحو كشفت عنه تصريحات عطاء الله خوجياني، المتحدث باسم حاكم ننجارهار، الذي قال أن الهجوم بدأ بتفجير سيارة ملغومة عند بوابة مدخل السجن، ثم فتح عدد من المهاجمين النار على قوات الأمن، وهو ما أسفر عن فرار 1793 من السجناء (تم القبض على أكثر من 1025 بعد محاولاتهم الهرب)، فيما بقى 430 داخل السجن، وهو ما جعل الهجوم يحظى باهتمام إعلامي على المستويين الدولي والإقليمي.
أهداف متعددة:
يمكن القول إن تنظيم "ولاية خراسان" يسعى عبر هذا الهجوم الجديد إلى تحقيق أهداف عديدة، تتمثل في:
1- تصدر مشهد العنف: على الرغم من أن أعداد مقاتلي تنظيم "داعش" أقل بكثير من مقاتلي حركة "طالبان"، إلا أن العمليات التي ينفذها تعد الأكثر عنفاً ودموية، حيث أنه غالباً ما يختار أهدافه بدقة، وبشكل يحدث صدى سياسياً وإعلامياً، وذلك من أجل تعزيز وجوده في البلاد وتصدر المشهد الإرهابي، على غرار الهجوم الأخير على سجن جلال آباد.
2- التشكيك في قدرة "طالبان": يبدو أن مخاوف "داعش" لم تتراجع كثيراً إزاء الاتفاق الذي أبرم بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة "طالبان"، ليس فقط لأنه يوجه رسالة بأنها الطرف الأكثر تأثيراً في البلاد، وإنما أيضاً لأن الاتفاق قد يعني تصعيد حدة الضغوط التي يتعرض لها، لاسيما مع اتجاه "طالبان" إلى استهدافه، وهو أحد الأهداف الأساسية التي سعت واشنطن إل تحقيقها من الاتفاق. ولذا، سعى التنظيم من خلال ذلك الهجوم إلى التشكيك في مدى إمكانية نجاح حركة "طالبان" في القضاء عليه، خاصة وأن الهجوم قد جاء بعد قرابة شهر من تقرير للأمم المتحدة صدر في يوليو الماضي وأفاد بأن نحو 2200 من أفراد "داعش" موجودون في أفغانستان، وأن تراجعه لا ينفي أنه ما زال قادراً على شن هجمات نوعية.
3- عرقلة اتفاق السلام: يدرك قادة تنظيم "ولاية خراسان" أن الاتفاق بين واشنطن و"طالبان" يصب في صالح الأخيرة، خاصة لجهة تأثيره على علاقاتها مع الحكومة الأفغانية، وربما يعطي انطباعاً بأن الحركة لديها القدرة على ملء الفراغ الذي يحتمل أن ينتج عن انسحاب القوات الأجنبية، بما يمكن أن يعزز من نفوذها على المستويات المختلفة، لاسيما العسكرية والسياسية، وهو ما يرى التنظيم أنه يهدد دوره ونشاطه، ومن ثم فإنه يحاول عبر تلك النوعية من الهجمات عرقلة تنفيذ الاتفاق وفرض عقبات عديدة تخصم من قدرة "طالبان" على استغلال المعطيات التي ينتجها على الأرض.
4- تعزيز الانقسام داخل "طالبان": ربما يرى التنظيم أن الاتفاق لم يحظ بإجماع داخل حركة "طالبان" في ظل رفض بعض الأجنحة له، وهو ما يمكن أن يدفعه إلى محاولة استقطاب تلك الأجنحة خلال المرحلة القادمة، سواء بهدف إضعاف "طالبان" وتقليص قدرتها على فرض سيطرتها، أو من أجل دعم نشاط التنظيم في مناطق جديدة داخل البلاد. ومن هنا، فإن التنظيم يرى أن مثل تلك الهجمات تمثل آلية يمكن الاستناد إليها في عملية الاستقطاب.
أخيراً، وعلى ضوء ما سبق، يمكن القول إن تنظيم "داعش" في أفغانستان يسعى الى قطع الطريق على حركة "طالبان" لتصدر المشهد في البلاد، سواء من الناحية التنظيمية أو العسكرية، وذلك من خلال شن هجمات إرهابية نوعية يثبت من خلالها قوته على الساحة، وهو ما يشير إلى أن الفترة القادمة قد تشهد العديد من تلك الهجمات فى مناطق مختلفة من البلاد التي تبدو مقبلة على استحقاقات صعبة.